تقاس حضارات الأمم والشعوب بما تنتجه من ثقافات وعلوم وما تظهره للناس من فكر راق وإبداع علمي ومعرفي، وتتمثل المنتجات وتتجلى المخرجات في الأبحاث العلمية والمشاريع الابتكارية والريادية والمبادرات المجتمعية وغير ذلك من المعارف، وكل ذلك ينعكس على طبيعة حياتهم في تعاملهم مع بعضهم ومع غيرهم من الأمم والشعوب من حيث الرقي في الأخلاق والأدب في الكلام والحديث والتحلي بالسمت والوقار، والتفاهم بالعقل والمنطق لا بالهوى والجدال.
ومن تأمل حال المؤتمرات العلمية التي تقام هنا وهناك ألفى فيها الفكر والعلم والثقافة صائلة جائلة في أرجائها، لتتلاقح العقول، وتتبادل الثقافات، وتقارع الحجة بالحجة.
وما رأيناه جميعاً في السنوات الخمس الماضية من المؤتمرات العلمية الطلابية التي تقيمها وتشرف عليها وزارة التعليم العالي وما يعرض فيها من تنافس علمي ثقافي وفني إبداعي، وما يَظْهَر في أروقتها من صفوة طلاب الجامعات ونخبتها لِتـُلقي مما حوته عقولهم وأفكارهم من إبداعات علمية أو ما سطرته أناملهم من حروف فكرية، أو ما أنتجته أياديهم من أجهزة ومخترعات وابتكارات ولوحات فنية، أو ما بلغته هممهم من الخدمات المجتمعية والمبادرات التطوعية أو غير ذلك مما سنحت محاور تلك المؤتمرات بالمشاركة، ليعطينا دلائل واضحة على رقي فكر الجيل القادم، وبراهين ساطعة على علو همتهم، وجودة مخرجاتهم، وتأهلهم للتربية والتعليم والقيادة والتدريب، لتصلح المجتمعات وتبني الأوطان على أسس وقواعد متينة راسخة بإذن الله تعالى.
وهذه الملتقيات العلمية التحضيرية التي تقام في كليات الجامعة في هذه الأيام للتحضير للمشاركة في المؤتمر العلمي بالجامعة ومؤتمر الوزارة ليدخل البهجة في النفس، فإن العين لتقرّ بإبصار تلك النماذج الرائعة التي نراها شامخة في منصات العلم والفكر تحكي قصتها في إعداد ذلك المشروع العلمي أو الابتكاري أو الفني ، وتتنافس مع قرنائها وأندادها في تلك المجالات، ويا لها من ظواهر صحية حينما تتلاقى الأفكار وتتنافس العقول.
ولئن تنافس أهل الفنّ في فنهم، وأهل اللهو في لهوهم، حُقَّ لأهل العلم أن يتنافسوا في فكرهم، وأن يتطارحوا في علمهم وإبداعاتهم.
وإذا رُمْتَ الأهداف المستقبلية والرؤى البعيدة لإقامة مثل هذه المؤتمرات العلمية والملتقيات الثقافية لوجدت أنها خدمت رسالتين أساسيتين للجامعة وهما: البحث العلمي وخدمة المجتمع. بقيت رسالة التعليم وهي متحققة فيما تتلقاه الطلبة في قاعات الدرس بالجامعة ضمن المتطلبات الأكاديمية، وسَعْيُ الجامعة في تحقيق تلك الرسائل الثلاثة بخطى جادّة يبشر بمستقبل زاهر ورائع لأبنائنا وبناتنا بجامعة سلمان بن عبدالعزيز إن شاء الله.