إنهم هناك حيث التواضع ، والحلم ، والعلم ، وسعة الأفق ، ولطافة الحياة . إنهم هناك حيث السعي في الخير أينما توجه.
نفوسهم الكبيرة جعلتهم لا يرتاحون إلا حيث التعب ، ولا يقرون إلا في شوامخ الجبال أو منازل الثريا ؛ كما قال المتنبي :
كلَّ يومٍ لك احتمالٌ جديدٌ *** ومســيرٌ للمجدِ فيه مُقـــامُ
وإذا كانت النفوسُ كبـاراً *** تعبت في مـرادِها الأجســـامُ
في عظمة نفوسهم تذوب الأحقاد والضغائن ، فهم سليمو الصدور على كل أحد ؛ لعلهم ينالون الجنة جزاء سلامة صدورهم . وهم ليسوا أهل مراء وجدل ؛ بل أهل خلق حسن وسلامة معشر طامعين في قوله صلى الله عليه وسلم : ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا ً وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا ً وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه )
يقول الإمام الشافعي رحمه الله : ( ما جادلت أحدا ًإلا تمنيت أن يظهر الله الحق على لسانه دوني ) .
أصحاب النفوس الكبيرة تنتهي عندهم المشكلات عندما يبدؤها غيرهم . فنفوسهم الكبيرة تجعلهم يحتوون الآخرين ويغفرون زلاتهم وينظرون إليهم بعين الرحمة والإشفاق ما يجعلهم يتحملون الأخطاء ويصفحون عن العثرات ؛ فالحياة في نظرهم أقصر من أن يقضوها في تسجيل الأخطاء التي ارتكبها الناس في حقهم وفي تقوية روح العداء معهم .
ونفوسهم الكبيرة لما امتلأت بالحكمة والحق تواضعت للخلق عندما يتعالى الفارغون ويتكبرون ، كما قال القائل :
ملأى السنابل تنحني بتواضعٍ *** والفارغاتُ رؤوسُهن شوامخُ
ونفوسهم الكبيرة كبيرة أنى لمثلي أن يكتب عن كل أبعادها وعظمتها ؛ لذا سأقف ههنا تاركاً لك ايها القارئ العزيز مجالا ً خصبا ً تتأمل فيه بنفسك في تلك النفوس الكبيرة .